تدبير كيسة غروانية معقدة لدى مريضة في العقد الثالث

المقدمة:

تُعتبر الأورام الدماغية من الحالات الطبية المعقدة التي تؤثر بشكل ملحوظ على صحة المرضى. رغم أن الأكياس الغروانية تُصنف كأورام حميدة، إلا أنها تشكل نسبة ضئيلة من أورام المخ، حيث تمثل أقل من 2% من الأورام الدماغية الأولية. وبالتحديد، تشكل ما يقرب من 1-2% من جميع الأورام داخل الجمجمة، وتُعد من أكثر الأورام شيوعاً داخل البطينات الدماغية، إذ تمثل حوالي 15-20% من تلك الأورام.[1] ومع ذلك، فإن موقعها الحساس في البطين الثالث يجعلها خطيرة، حيث إنها غالباً ما تتسبب في انسداد تدفق السائل الدماغي الشوكي، ما يؤدي إلى استسقاء الدماغ وتفاقم المضاعفات العصبية التي قد تصل إلى الوفاة في حال عدم التدخل السريع.

على الرغم من أن الأورام الدماغية تشكل نسبة صغيرة من إجمالي الأورام في الجسم، فإنها تُعد من بين أكثرها تعقيداً وخطورة نظراً لتأثيرها المباشر على وظائف الدماغ الحيوية. وفي المقابل، تُعد الأورام النقيلة، التي تنتشر من أعضاء أخرى كالرئة أو الثدي إلى الدماغ، أكثر شيوعاً من الأورام الدماغية الأولية، وتُحسب ضمن نسبة الأورام في تلك الأعضاء الأصلية.

  يستعرض هذا التقرير حالة مريضة في الثانية والعشرين من عمرها تم تشخيصها بكيسة غروانية في البطين الثالث، وتم علاجها بنجاح بواسطة الجراحة التنظيرية.

عرض الحالة:

وصلت المريضة (ص. ح.)، 22 سنة، إلى قسم الإسعاف بحالة من تدني الوعي، مع وجود خزل شقي في الجهة اليمنى وتوسع في حدقة العين اليسرى. لم تُسجل لديها أي سوابق مرضية تُذكر، ولكن كانت تعاني من صداع متوسط الشدة لمدة أسبوع قبل ظهور هذه الأعراض.

  • الفحص السريري: أظهر الفحص السريري تدنياً حاداً في مستوى الوعي مع توسع في حدقة العين اليسرى، مما يشير إلى وجود ضغط داخل القحف. تم تنبيب المريضة بشكل إسعافي للحفاظ على مجرى الهواء.

التصوير الطبي: تم إجراء تصوير طبقي محوري بدون حقن، بالإضافة إلى الرنين المغناطيسي مع الحقن للدماغ، مما كشف عن وجود كتلة في البطين الثالث، وتوسع في البطينات الجانبية نتيجة انسداد تدفق السائل الدماغي الشوكي.

التشخيص:

عند دراسة الحالة السريرية للمريضة وتحليل الصور الشعاعية، تبين وجود كتلة في سقف البطين الثالث، مصحوبة بتوسع في البطينات الجانبية. ثم تم وضع التشخيصات التفريقية لهذه الكتلة بناءً على النتائج، والتي شملت احتمالية كونها:

  • كيسة غروانية، أو
  • ورم سحائي، أو
  • ورم دبقي، أو
  • ورم الضفيرة المشيمية الحليمي، أو
  • ورم بطاني عصبي، أو
  • ورم قحفي بلعومي.

الإجراءات العلاجية:

نظراً لتدهور الحالة العصبية للمريضة والاستسقاء الدماغي الحاد، تم اتخاذ القرار بالتدخل الجراحي الفوري باستخدام تقنية التنظير البطيني لاستئصال الكيسة الغروانية. بعد ذلك، تم إدخال المريضة بشكل إسعافي إلى غرفة العمليات.

  • الإجراءات الجراحية:
  • تم وضع المريضة في وضعية اضطجاع ظهري الوجه للأعلى بشكل مستقيم، مع تحديد نقطة الدخول في الجيب السهمي الأيمن (4 سم أيمن الجيب السهمي، 4 سم أمام الدرز الإكليلي).
  • تم الدخول عبر القرن الأمامي للبطين الجانبي الأيمن باستخدام تقنية التنظير للوصول إلى ثقبة مونرو.
  • لوحظ وجود الكيسة الغروانية ملتصقة بسقف البطين الثالث.
  • تم إجراء بزل للكيسة لتقليل حجمها، ثم استئصالها بالكامل باستخدام الأدوات الجراحية الدقيقة.

خرج السائل الدماغي الشوكي بضغط عالٍ، مما أكد التشخيص بوجود انسداد نتيجة الكيسة

بعد الجراحة، تم نقل المريضة إلى وحدة العناية المركزة لمراقبة حالتها بشكل دقيق.

  • التوصيات للمتابعة بعد التخريج:
  • المتابعة الدورية: مراجعة دورية في عيادة الجراحة العصبية للتأكد من عدم عودة الكيسة أو ظهور أي مضاعفات جديدة.
  • التثقيف الصحي: تم تثقيف المريضة وأفراد أسرتها حول العلامات العصبية التي يجب مراقبتها، مثل الصداع الشديد أو ضعف الأطراف، والتي قد تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً.
  • العناية بالجرح: يجب الحفاظ على الجرح نظيفاً وجافاً لتجنب العدوى، وتغيير الضماد بانتظام وفقاً لتوصيات الطبيب.

تُظهر هذه الحالة أهمية التدخل الجراحي في الوقت المناسب في معالجة الكيسات الغروانية التي تعيق تدفق السائل الدماغي الشوكي وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل استسقاء الدماغ والتدهور العصبي. من خلال الرعاية المتكاملة والتدخل الجراحي المناسب، يمكن تحقيق نتائج إيجابية وتحسين فرص الشفاء التام.

الأكياس الغروانية Colloid cysts

الأكياس الغروانية [2]هي أورام حميدة نادرة تقع في الجزء العلوي الأمامي من البطين الثالث، بالقرب من ثقبة مونرو. وهي تمثل ما يقرب من 1% إلى 2% من جميع الأورام داخل الجمجمة، مع معدل حدوث يقدر بنحو 3.2 لكل مليون شخص سنوياً.[3]

في حين أن العديد من الأكياس الغروانية لا تظهر عليها أي أعراض، إلا أنها قد تؤدي إلى استسقاء الرأس الانسدادي، والذي قد يؤدي إلى تدهور عصبي شديد أو حتى الموت. غالباً ما تشمل الأعراض:

  • الصداع
  • الغثيان والقيء
  • التغيرات البصرية
  • الدوخة أو الرنح
  • ضعف الإدراك

يميل المرضى الذين يعانون من الأعراض إلى أن يكونوا أصغر سناً، وعادة ما تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 40 عاماً. ويعتبر استسقاء الرأس هو أحد المضاعفات الشائعة المرتبطة بهذه الأكياس.

آليات التدهور

يمكن أن يحدث التدهور العصبي الشديد من خلال عدة آليات:[4]

  1. استسقاء الرأس: قد يعوق الكيس تدفق السائل النخاعي، مما يؤدي إلى زيادة الضغط داخل الجمجمة وفتق الدماغ المحتمل.
  2. نظرية انسداد السائل النخاعي: قد ينفصل الكيس الغرواني المتصل عبر السويقة ويسد ثقب مونرو تماماً، مما يؤدي إلى استسقاء الرأس الحاد.
  3. النزيف داخل الكيس: يمكن أن يؤدي هذا إلى توسع حاد أو نقص تروية في الدماغ الأمامي بسبب ضعف تدفق الدم.

استراتيجيات التدبير

عادةً ما يتضمن تدبير الأكياس الغروانية التدخل الجراحي، وخاصة في الحالات التي تظهر فيها الأعراض.  تشمل الخيارات الجراحية:

  • الجراحة بالمنظار: نهج أقل توغلاً يسمح بإزالة الكيس من خلال شقوق صغيرة.
  • الاستئصال المجهري: جراحة مفتوحة أكثر تقليدية توفر الوصول المباشر إلى الكيس.

قد تكون المراقبة مناسبة في الحالات التي يكون فيها الكيس بدون أعراض وصغيراً. ومع ذلك، إذا ظهرت الأعراض أو كان هناك دليل على استسقاء الدماغ، يكون التدخل الجراحي ضرورياً بشكل عام.

الخلاصة

على الرغم من أن الأكياس الغروانية تشكل نسبة صغيرة من أورام المخ، فإن احتمالية حدوث مضاعفات شديدة تتطلب تقييماً وإدارة دقيقين. إن فهم مخاطرها وتداعياتها السريرية أمر بالغ الأهمية للعلاج الفعال وتحسين نتائج المرضى.

توضيح:

تم إجراء العمل الجراحي في مشفى باب الهوى المدعوم من منظمة الجمعية الطبية السورية الأمريكية SAMS، فريق العمل الجراحي

المراجع:

[1]        A. Roberts, A. Jackson, S. Bangar, and M. Moussa, “Colloid cyst of the third ventricle,” JACEP Open, vol. 2, no. 4, 2021, doi: 10.1002/emp2.12503.

[2]        J. G. Malcolm, “Book Review: Youmans and Winn Neurological Surgery, Eighth Edition,” Neurosurgery, vol. 91, no. 3, 2022, doi: 10.1227/neu.0000000000002077.

[3]        T. L. Beaumont, D. D. Limbrick, B. Patel, M. R. Chicoine, K. M. Rich, and R. G. Dacey, “Surgical management of colloid cysts of the third ventricle: a single-institution comparison of endoscopic and microsurgical resection,” J Neurosurg, vol. 137, no. 4, 2022, doi: 10.3171/2021.11.JNS211317. [4]          T. L. Beaumont, D. D. Limbrick, K. M. Rich, F. J. Wippold, and R. G. Dacey, “Natural history of colloid cysts of the third ventricle,” J Neurosurg, vol. 125, no. 6, 2016, doi: 10.3171/2015.11.JNS151396.

اترك تعليق

المحاضرات المضافة حديثاً