المقدمة
يُعد الحمل الهاجر من الأسباب الجوهرية لمضاعفات المراضة لدى الأمهات، خاصةً عند ترافقه مع حالات نادرة مثل الرحى العدارية التامة. يُعتبر هذا النوع من الحمل تحدياً كبيراً للأطباء والمختصين، حيث يتطلب فهماً عميقاً للتغيرات المرضية والاستجابات الجسدية غير الطبيعية.(1) ويعد حدوث ورم رحوي في موقع منتبذ حالة نادرة للغاية، حيث يُقدر معدل حدوثها بحوالي 1.5 حالة لكل مليون حمل، مع توثيق 132 حالة فقط عالمياً، مما يجعلها من الحالات الفريدة التي تتطلب دراسة معمقة وتجميع بيانات دقيقة لتطوير استراتيجيات علاجية فعّالة.(2) تتسم هذه الحالات بتحديات تشخيصية وعلاجية معقدة نظراً للتشابه السريري الكبير مع أشكال أخرى من الحمل الهاجر وإمكانية حدوث مضاعفات خطيرة مثل النزف الشديد، مما يزيد من تعقيد عملية التشخيص والتدخل المبكر.
يقدم هذا التقرير حالة فريدة لحمل رحوي عذاري تام في بوق فالوب، مع عرض لتطور الحالة، النهج العلاجي، وأهمية المتابعة المكثفة، بالإضافة إلى تقديم رؤى حول أهمية التدخل المبكر والتكامل بين الفريق الطبي لضمان أفضل النتائج الممكنة.(3)
عرض الحالة
بيانات المريضة
- العمر: 28 عاماً.
- التاريخ الإنجابي: (G3P3A0)، ثلاث حمول وثلاث ولادات دون أي إسقاط .
الأعراض الأولية عند الوصول:
الشكوى الرئيسية: ألم بطني سفلي، نزف مهبلي خفيف، وانقطاع طمث ثانوي.
- ضغط الدم: منخفض (80/50 ملم زئبق).
- معدل نبض القلب: تسرع نبض (120 نبضة/دقيقة).
- الحالة الوعي: المريضة كانت واعية ومتيقظة.
الفحص السريري:
- الفحص المهبلي: ألم شديد بالجس على مستوى الحوض.
- التصوير بالأمواج فوق الصوتية عبر المهبل: أظهر رحماً فارغاً، مبيضين طبيعيين، وكتلة بحجم 5 سم قرب قعر الرحم بمظهر يُعرف بـ “العاصفة الثلجية” النمطي.
- السوائل الحرة: وجود سائل حر في رتج دوغلاس.
- مستوى β-hCG: مرتفع (10,350 وحدة دولية/لتر).
التدبير الجراحي والعلاج
نظراً للاشتباه السريري بوجود حمل هاجر متمزق، تم إجراء فتح بطن إسعافي. أثناء الجراحة:
- النزف: تم العثور على حوالي 1.5 لتر من الدم المتخثر داخل التجويف البطني.
- الكتلة: لوحظ وجود كتلة وعائية نازفة بحجم 4-6 سم في الجزء العلوي الأيمن من الرحم.
- الإجراءات المتخذة: تم استئصال البوق الأيمن مع الجزء المتضمن للكتلة من الرحم.
- تنظيف التجويف: تنظيف التجويف البطني ووضع مفجر في رتج دوغلاس لضمان تصريف أي سوائل متبقية ومنع حدوث التهابات مستقبلية.
- نقل الدم: تلقت المريضة ثلاث وحدات دم (وحدتين أثناء العملية وواحدة بعد ست ساعات) لتعويض الفاقد من النزف ولضمان استقرار الحالة.
المتابعة السريرية
أكد الفحص النسيجي وجود رحى عدارية تامة في موقع الحمل المنتبذ. تعافت المريضة بسرعة وغادرت المستشفى بعد يومين بحالة عامة جيدة.
الموجودات بعد الجراحة:
- انخفاض مستوى β-hCG: انخفض تدريجياً إلى 20 وحدة دولية/لتر مع وجود كيسة لوتينية بحجم 5 سم في المبيض الأيسر، ما يعكس تراجع الحمل الرحوي دون مضاعفات إضافية.
- المتابعة المخططة: متابعة أسبوعية لمستوى β-hCG حتى زوال الحالة بشكل تام، مع التأكيد على أهمية الالتزام بالمتابعة لتجنب أي ارتداد أو تطور في الحالة.
- التوجيهات للمريضة: نصحت المريضة بتجنب الحمل لمدة لا تقل عن ستة أشهر لضمان استقرار الحالة وضمان خلو الجسم من أي أنسجة رحوية نشطة قد تؤدي إلى مضاعفات.
الرعاية النفسية والاجتماعية
- الدعم النفسي: نظراً للضغط النفسي الذي قد ينتج عن هذه الحالة النادرة والخطيرة، تمت إحالة المريضة إلى مستشار نفسي لتقديم الدعم الضروري للتعامل مع أي مخاوف أو ضغوط نفسية.
- الدعم الاجتماعي: تم إشراك أفراد العائلة في الجلسات التوعوية لزيادة وعيهم بحالة المريضة وتقديم الدعم اللازم لها في فترة التعافي.
المناقشة
تسلط هذه الحالة الضوء على ندرة حدوث رحى عدارية تامة في الحمل الهاجر البوقي، وما يترتب على ذلك من تحديات في التشخيص والتدبير، إضافةً إلى تعقيدات تتعلق بالمتابعة والرعاية المستمرة.
الفيزيولوجيا المرضية والتشخيص:
ينشأ الورم الأرومة المغذية الحملي الكامل نتيجة التكاثر غير الطبيعي للخلايا الأرومية ذات المنشأ الأبوي فقط، وهو أمر نادر للغاية في حالات الحمل الهاجر. يمثل التشخيص تحدياً ملحوظاً نتيجة التشابه الكبير في العرض السريري بين الحمل الهاجر والرحى العدارية. في هذه الحالة، كان للمظهر النمطي بالأمواج فوق الصوتية وارتفاع مستوى β-hCG دور حاسم في توجيه التشخيص.
الدور التشخيصي للأمواج فوق الصوتية:
يتميز مظهر “العاصفة الثلجية” في الفحص بالأمواج فوق الصوتية بأنه علامة مرجعية مهمة في تشخيص الرحى العدارية.(4) هذا المظهر ساعد في تفادي التشخيص الخاطئ بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى β-hCG كان له دور محوري في توجيه الفريق الطبي نحو اتخاذ قرار الجراحة بشكل سريع ودقيق.
أهمية β-hCG:
يُعتبر β-hCG أحد المؤشرات الرئيسية في تشخيص الحمل الرحوي، حيث إن المستويات العالية بشكل غير معتاد تتماشى مع الحمل الرحوي أكثر من الحمل الهاجر العادي.
التدبير والعلاج:
- نظراً لخطر النزف الحاد، كان التدخل الجراحي الطارئ ضرورياً، وهو ما تم تحقيقه بنجاح مع اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع النزف المتكرر وضمان استئصال الأنسجة المتضررة بالكامل.
- إزالة الأنسجة الأرومية المغذية بالكامل أمر بالغ الأهمية لمنع مضاعفات مثل مرض الأرومة المغذية الحملي المستمر (GTD)، وهو مرض قد يتطلب علاجات أكثر تعقيداً مثل العلاج الكيميائي إذا لم يُعالج بشكل كامل.
- تُعد متابعة مستوى β-hCG بشكل أسبوعي أساسية لرصد أي مضاعفات لاحقة، مثل الـGTD التي قد تتطلب العلاج الكيميائي. المتابعة الأسبوعية تُعد خطوة حاسمة في إدارة الحالة بعد العملية لمنع أي ارتداد أو تطور غير متوقع في الورم.
التدبير الوقائي والمتابعة بعيدة المدى:
- التوجيهات المتعلقة بالحمل المستقبلي: توجيه المريضة لتجنب الحمل لمدة تتراوح بين 6 إلى 12 شهراً أمر أساسي لضمان عدم حدوث مضاعفات أخرى، ومنع أي حمل جديد قبل التأكد من استقرار الحالة تماماً.
- المتابعة النفسية والاجتماعية: ضرورة إشراك العائلة في خطة العلاج وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمريضة، نظراً لتأثير الحالة النادرة على الصحة النفسية والجوانب الاجتماعية للمريضة وعائلتها.
الإنذار والمتابعة:
في هذه الحالة، لم يُلاحظ أي دليل علىGTD، مع استقرار تدريجي لمستوى β-hCG. يجب متابعة المريضة حتى تعود مستويات β-hCG إلى الحدود الطبيعية. كما نُصحت المريضة بتجنب الحمل لفترة مؤقتة لتفادي أي مضاعفات إضافية، وضمان تعافي الجسم تماماً.
الخلاصة
تعكس هذه الحالة النادرة الأهمية القصوى للتشخيص المبكر والتدخل الجراحي السريع في حالات الحمل الهاجر المصحوب برحى عدارية تامة. كما تؤكد على ضرورة المتابعة الدقيقة لضمان التعافي الكامل وتجنب أي مضاعفات مستقبلية تتعلق بمرض الأرومة المغذية الحملي المستمر. تبرز هذه الحالة أيضاً أهمية الدعم النفسي والاجتماعي كجزء لا يتجزأ من الرعاية الشاملة للمريضة، لضمان تعافيها البدني والنفسي والاجتماعي بشكل كامل. إن التوجه الشامل في التعامل مع مثل هذه الحالات هو الأساس لضمان أفضل النتائج الممكنة للمرضى. بالإضافة إلى ذلك، يُوصى بمتابعة المرضى على المدى الطويل لضمان عدم عودة الأنسجة الرحوية وتجنب أي مضاعفات محتملة تتطلب العلاج الكيميائي. كما تشير الدراسات الحديثة إلى أن التشخيص المبكر والتدخل السريع يمكن أن يقلل بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بالحمل الرحوي المنتبذ، وبالتالي يُنصح بمراجعة مستمرة للبروتوكولات العلاجية وتحسينها بناءً على البيانات المتاحة.
تنويه:
تم تدبير هذه الحالة في مشفى النور التخصصي للأمومة و الطفولة المدعوم من ريليف انترناشونال، حيث أجرت العمل الجراحي الطبيبة المقيمة في اختصاص التوليد وأمراض النساء وجراحتها د. هدى الحاج حميدي بإشراف من الطبيبتين الاختصاصيتين: د. أحلام صبحة ود. فتنت طحان.
المراجع
- Management of Gestational Trophoblastic Disease: Green-top Guideline No. 38 – June 2020. Vol. 128, BJOG: An International Journal of Obstetrics and Gynaecology. 2021.
- Athanasiou A, Féki A, Fruscalzo A, Guani B, Ben Ali N. Ruptured ectopic pregnancy as complete hydatidiform mole: Case report and review of the literature. Front Surg. 2022;9.
- Bruce S, Sorosky J. Gestational Trophoblastic Disease [Internet]. StatPearls Publishing; 2020. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK470267/
- Skandhan AKP. Snowstorm sign (complete hydatiform mole) | Radiology Reference Article | Radiopaedia.org [Internet]. 2023. Available from: https://radiopaedia.org/articles/snowstorm-sign-complete-hydatiform-mole-2