التهاب بريتوان ثانوي باكر تالي لالتهاب بنكرياس بفرط الشحوم: الخطة العلاجية والتدبير

الهيئة السورية للاختصاصات الطبية البورد السوري SBOMS

التهاب البنكرياس الحاد هو حالة التهابية شديدة تصيب البنكرياس، قد تسبب مضاعفات خطيرة مثل التهاب البريتوان الثانوي. يتناول هذا المقال إحدى حالات التهاب البريتوان الثانوية الناجمة عن التهاب البنكرياس بفرط الشحوم، والتي تُعتبر نادرة نسبياً مقارنة بباقي مضاعفات التهاب البنكرياس الحاد. وقد نجح الأطباء المقيمون في الهيئة السورية للاختصاصات الطبية في تدبير هذه الحالة تحت إشراف الأطباء الاختصاصيين في مشفى شام التخصصي للأمراض الداخلية والمدعوم من قبل منظمة شام الإنسانية، وسنتناول في هذا المقال كيفية التعامل مع هذه الحالة وتدبيرها.

راجعت السيدة م. ت. والتي تبلغ من العمر 21 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال، قسم الطوارئ بقصة ألم بطني حاد مفاجئ في المنطقة الشرسوفية منتشر إلى المراقين، مع إقياء طعامي عدة مرات. لا يوجد لديها سوابق مرضية، ولكنها خضعت لثلاث عمليات قيصرية سابقة. من الجدير بالذكر أن المريضة تذكر فقدان شخصين في عائلتها بسبب نفس المشكلة، حيث توفيت أختها وخالها بسبب فرط شحوم الدم.

أظهر الفحص السريري شحوباً، وتعرقاً بارداً، وألماً معمماً في البطن، أشده في المنطقة الشرسوفية.

  • ضغط الدم: 110/70 ملم زئبق
  • النبض: 130 ضربة/دقيقة
  • إشباع الأكسجين: 94%
  • أميلاز: 340 وحدة/لتر
  • شحوم ثلاثية: 1300 ملغ/ديسيلتر
  • كوليسترول: 640 ملغ/ديسيلتر
  • يوريا / بولة: 58 ملغ/ديسيلتر
  • سكر الدم: 205 ملغ/ديسيلتر
  • صوديوم: 136 ملمول/لتر
  • بوتاسيوم: 3.8 ملمول/لتر
  • كالسيوم شاردي: 1.4 ملمول/لتر

تم تشخيص المريضة بالتهاب بنكرياس حاد بفرط شحوم الدم.

تم قبول المريضة في وحدة العناية المركزةICU  مع الخطة العلاجية التالية:

  • إماهة وريدية ( 30 مل/كغ أول ثلاث ساعات) ثمّ 125 مل/ ساعة مع مراقبة الصادر البولي / IVC.
  • علاج عرضي
    • رايسك 40 ملغ Omeprazole 40 mg
    • سيتامول Paracetamol 1g
    • ديفوميت Ondansetron 8 mg
  • تمييع وقائي:
    • غليكسان Enoxaparin 0.4 ml
  • مضخة أنسولين سريع مستمر (5 وحدات/ساعة).
  • علاج خافض للشحوم (فينوفيبرات Fenofibrate 300 mg مرتين يومياً).
  • تعويض بوتاسيوم بمعدل 40 مك ضمن كل لتر (لتجنب هبوط البوتاسيوم بتأثير الأنسولين).
  • تعويض 1g غلوكونات الكالسيوم.
  • سيروم سكري 10% بعدل 50 مل/ساعة لتجنب هبوط السكر.

في اليوم التالي تم خفض الإماهة الوريدية حتى 100 مل/ساعة مع استمرار باقي الخطة العلاجية.

مع مراقبة يومية لمستوى الشحوم الثلاثية + مراقبة الشوارد.

تطورت حالة المريضة في اليوم الثاني ليظهر لديها خفقان وزلة تنفسية على الراحة مع اشتداد الألم البطني. أظهرت العلامات الحيوية نبضاً بمعدل 180 ضربة/دقيقة، وتم تأكيد تسرع القلب فوق البطيني (SVT)  بواسطة تخطيط القلب الكهربائي. تم علاجها بالأدينوزين (Adenosine) وريدياً بجرعة 6 ملغ والميتوبرولول (Metoprolol) بجرعة 25 ملغ مرتين يومياً.

تخطيط قلب كهربائي تسرع قلب النبض  175

  • انصباب تامور خفيف
  • انصباب جنبي ثنائي الجانب، أشده في الجانب الأيمن
  • حبن خفيف
  • أظهرت ارتفاعاً إضافياً في الشحوم الثلاثية (2300 ملغ/ديسيلتر).
  • زيادة جرعة مضخة الأنسولين حتى 8 وحدات/ساعة.
  • تصوير مقطعي محوسب (CT) للبطن مع الحقن والذي كشف عن:
  • التهاب بنكرياس وذمي شامل
  • وذمة معممة في البنكرياس، أشدها في الذيل

سائل محجب ضمن البطن

أكد بزل الحبن التشخيصي وجود التهاب بريتوان ثانوي:

  • WBC 4800
  • T.p 3.3
  • Albumin 2.5
  • Amylase 317
  • LDH 1950

تم طلب استشارة الجراحة العامة لنفي السبب الجراحي ولم تتطلب الحالة تدخلاً جراحياً فورياً (نفي السبب الجراحي).

بدأت المعالجة بالمضادات الحيوية باستخدام ميروبينيم Meropenem 13 × g، استمرت مضخة الأنسولين حتى انخفضت الشحوم الثلاثية إلى أقل من 500 ملغ/ديسيلتر.

نكس SVT عدم مرات مع عدم استجابة على العلاج الدوائي وترافق ذلك مع هبوط في الضغط الشرياني (80/40 mmHg) مما استدعى صدم المريضة (صدم متزامن 100 جول) حيث عاد النظم جيبياً وبسرعة 90.

  • أظهرت المريضة تحسناً سريرياً ومخبرياً كبيراً بعد مدة علاج ومراقبة استمرت حوالي 14 يوم:
  • مستوى السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية
  • تراجع العلامات الالتهابية
  • تراجع الألم البطني
  • انخفاض شحوم الدم حتى 250

تم تخريجها مع علاج خافض للشحوم عن طريق الفم (فينوفيبرات Fenofibrate 300 × 1) واستمرار المضادات الحيوية.

أظهرت المتابعة في العيادة  الهضمية استقراراً وظيفياً دون اختلاطات.

يتطلب المرضى الشباب الذين يعانون من فرط شحوم الدم الحاد والتهاب البنكرياس إدارة متعددة التخصصات لتحقيق نتائج ناجحة. يمكن أن يؤدي الكشف المبكر والتدخل الفوري إلى تحسين النتائج بشكل كبير، حتى في وجود مضاعفات كبيرة.

التهاب الصفاق الثانوي المبكر بسبب التهاب البنكرياس الحاد بفرط شحوم الدم: التهديد الصامت

يستطيع معظم الأطباء تمييز التهاب البنكرياس الحاد الناتج عن حصوات المرارة أو الإفراط في تناول الكحول بشكل جيد. ومع ذلك، فإن هناك مضاعفات نادرة وخطيرة بنفس القدر، وهي التهاب البنكرياس الحاد بفرط شحوم الدم (Acute Hyperlipidemic Pancreatitis – AHP)، الذي قد يؤدي إلى التهاب الصفاق الثانوي المبكر. هذه الحالة تتطلب تعرّفاً وتدخلاً سريعاً.(1)

التهاب البنكرياس الحاد بفرط شحوم الدم هو نوع شديد من التهاب البنكرياس نتيجة ارتفاع مستويات الشحوم الثلاثية في الدم. هذا الارتفاع يمكن أن يسبب التهاباً شديداً في البنكرياس، مما يؤدي إلى آلام بطنية حادة وغثيان وقيء. يمكن أن يتفاقم الوضع بسرعة، مما يتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً لتجنب مضاعفات خطيرة مثل التهاب الصفاق الثانوي المبكر.

يعتبر فرط شحوم الدم سبباً نادراً ولكنه مهم لالتهاب البنكرياس، ويمكن أن يؤدي بسرعة إلى الاستسقاء الكيلوسي والتهاب البريتوان. يحدث هذا عندما ينتشر التهاب البنكرياس إلى البريتوان – الغشاء الذي يبطن تجويف البطن. بمجرد أن يصبح البريتوان ملتهباً، يمكن أن يؤدي ذلك إلى العدوى والانتشار السريع للبكتيريا، مما يتسبب في حالة تهدد الحياة. لذلك، من الضروري تشخيص الحالة بسرعة وعلاجها لتجنب تفاقم الأعراض والمضاعفات الخطيرة. (2)

قد تكون مستويات الأميلاز والليباز في الدم في حالات التهاب البنكرياس الحاد الناتج عن فرط شحوم الدم، طبيعية أو مرتفعة بشكل طفيف فقط، مما يجعل التشخيص صعباً. يمكن أن يعاني المرضى من آلام شديدة في البطن، وغثيان، وقيء، وانتفاخ في البطن. قد يكشف الفحص عن إيلام وأصمية متنقلة عند القرع.

كما أن التصوير أمر بالغ الأهمية للتشخيص. يمكن أن تكشف الأمواج فوق الصوتية عن الاستسقاء، بينما يُظهر التصوير المقطعي المحوسب مع التباين تغيرات التهابية حول البنكرياس تتوافق مع التهاب البنكرياس الحاد. يكشف بزل سائل الاستسقاء عن مظهر حليبي يحتوي على نسبة عالية من الشحوم الثلاثية، مما يؤكد الاستسقاء الكيلوسي.

عندما ترتفع مستويات الشحوم الثلاثية بشكل كبير جداً، يتم نقل الشحوم الثلاثية الزائدة على شكل بروتينات دهنية غنية بالشحوم الثلاثية، هي دقائق كَيْلُوسِية chylomicrons في المقام الأول. يتم تحلل هذه الدقائق الكَيْلُوسِية في سرير الأوعية الدموية البنكرياسية، مما يؤدي إلى إطلاق مستويات عالية من الأحماض الدهنية الحرة Free Fatty Acids (FFAs). تتجاوز هذه الأحماض قدرة الارتباط لألبومين البلازما، ويمكن أن تتجمع الأحماض الدهنية الحرة غير المرتبطة ذاتياً في هياكل سامة. يمكن أن تؤدي هياكل الأحماض الدهنية الحرة السامة هذه إلى إتلاف الصفيحات الدموية والبطانة الوعائية والخلايا العنيبية في البنكرياس، مما يؤدي إلى نقص التروية والحماض وتنشيط مولد التربسين trypsinogen، مما يؤدي إلى التهاب البنكرياس الحاد. يمكن أن يؤدي التراكم السريع للكيلوس في التجويف البريتواني إلى التهاب البريتوان الكيلوسي الحاد، وهو اختلاط نادر يحاكي الحالات الجراحية الحادة الأخرى مثل انثقاب الحشا أو التهاب الزائدة الدودية. تم الإبلاغ عن أقل من 100 حالة من حالات التهاب الصفاق الكيلوسي الحاد، وكان التهاب البنكرياس سبباً غير شائع. في معظم الحالات، يتم اكتشاف الاستسقاء الكيلوسي بعد أيام أو أسابيع من ظهور أعراض التهاب البنكرياس. (3)

قد يكون تشخيص التهاب الصفاق الثانوي المبكر أمراً صعباً، حيث يمكن أن تحاكي أعراضه أعراض حالات أخرى. ومع ذلك، هناك بعض العلامات الرئيسية التي يجب الانتباه إليها، بما في ذلك:

  • ألم شديد في البطن يزداد سوءاً مع الحركة أو اللمس
  • تورم أو انتفاخ البطن
  • حمى وقشعريرة
  • غثيان وقيء
  • انخفاض الشهية

غالباً ما يتطلب تشخيص التهاب الصفاق الثانوي المبكر مزيجاً من الفحص البدني واختبارات التصوير (مثل فحوصات التصوير المقطعي المحوسب) واختبارات الدم لتقييم علامات العدوى.

  • علاج محافظ أولي: قبول المريض في المستشفى، البدء بالإماهة الوريدية، راحة الأمعاء، والسيطرة على الألم.
  • علاجات مستهدفة: خفض مستويات الشحوم الثلاثية باستخدام الهيبارين والأنسولين وعوامل خفض الدهون.
  • فصادة البلازما: في الحالات الشديدة.
  • الرعاية الداعمة: التغذية الوريدية الخالية من الدهون والعلاجات المتقدمة مثل تروية الدم (hemoperfusion).
  • التدخل الجراحي: لمضاعفات محددة.

كما يعتبر التشخيص المبكر والعلاج الفوري أمراً بالغ الأهمية لتحسين النتائج.(4)

يعد التهاب الصفاق الثانوي المبكر الناتج عن التهاب البنكرياس الحاد الناتج عن ارتفاع نسبة الشحوم في الدم حالة خطيرة تتطلب إجراءات سريعة وحاسمة. ومن خلال فهم الأعراض والسعي للحصول على رعاية طبية فورية، يمكننا تحسين النتائج ومنع المضاعفات المهددة للحياة. وبصفتنا مقدمي رعاية صحية وأفراداً، فإن الوعي واليقظة هما المفتاح لإدارة هذه الحالة بشكل فعال.

تم تدبير هذه الحالة من قبل الأطباء المقيمين في الهيئة السورية للاختصاصات الطبية:

د. هبة عتيق، د. عبد العليم البكور، د. علي الضعيف

تحت إشراف الأطباء الاختصاصيين: د. خالد المرعي، د. عبد الرحمن سليمان، د. مصعب الإبراهيم

في مشفى شام التخصصي للأمراض الداخلية والمدعوم من قبل منظمة شام الإنسانية.

  1. Chylous ascites secondary to hyperlipidemic pancreatitis with normal serum amylase and lipase, Chylous ascites secondary to hyperlipidemic pancreatitis with normal serum amylase and lipase – PMC (nih.gov)
  2. Acute chylous peritonitis due to acute pancreatitis, Acute chylous peritonitis due to acute pancreatitis – PMC (nih.gov)
  3. Hypertriglyceridemic pancreatitis: Epidemiology, pathophysiology and clinical management, Hypertriglyceridemic pancreatitis: Epidemiology, pathophysiology and clinical management – PMC (nih.gov)
  4. Management of Acute Severe Hyperlipidemic Pancreatitis, (PDF) Management of Acute Severe Hyperlipidemic Pancreatitis (researchgate.net)

المحاضرات المضافة حديثاً