مقدمة:
الحول (Strabismus) هو اضطراب بصري ناتج عن انعدام التنسيق في المحاذاة بين العينين، مما يؤدي إلى عدم تركيزهما على نفس النقطة في الفضاء البصري. وهذا يؤدي إلى اضطراب في الرؤية المجسمة وتدهور جودة الحياة البصرية للمريض. يشيع الحول عالمياً بنسبة 2-5% في التعداد العام، مع انتشار أكبر قليلاً لدى الأطفال حيث تصل النسبة إلى 3-4% في مرحلة ما قبل المدرسة. يتم اكتشاف هذه الحالة عادةً خلال الفحوصات الطبية الروتينية أو عندما يلاحظ الوالدان عدم توازن في محاذاة عيني الطفل.(1) تتفاوت أسبابه بين العوامل الوراثية والأسباب المكتسبة، مثل الأمراض العصبية أو العضلية أو الإصابات التي تؤثر على الأعصاب القحفية أو العضلات العينية. يتسبب الحول في مضاعفات بصرية جسيمة، بما في ذلك الغطش – العين الكسولة – (Amblyopia)، وهو ضعف في القدرة البصرية يحدث بسبب عدم استخدام العين بفعالية، مما يتطلب تدخلاً تشخيصياً وعلاجياً مبكراً لتجنب التداعيات السلبية على الإدراك البصري وجودة حياة المريض.
يساهم العلاج المبكر للحول في تعزيز التطور البصري السليم لدى الأطفال. ويلعب التحفيز البصري المتوازن بين العينين دوراً محورياً في تطوير القدرة على الرؤية الثنائية وتكامل المعلومات البصرية في الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخل المبكر يساعد في منع حدوث مضاعفات خطيرة مثل العجز البصري الدائم أو الرؤية المزدوجة المزمنة.
عرض الحالة
بيانات المريض:
- العمر والجنس: مريض ذكر، يبلغ من العمر 14 عاماً.
الأعراض الرئيسية:
- انحراف العين اليمنى نحو الأعلى (حول علوي)، خاصة عند التركيز على الأشياء القريبة
- رؤية مزدوجة، مع صعوبة في التركيز في جميع الاتجاهات مقاومة بوضعية رأس معيبة.
- لم يكن المريض يشكو من ألم أو احمرار في العين.
بداية الأعراض: بدأت الأعراض في عمر 3 سنوات، مع ملاحظة تفاقم تدريجي في الأعراض وزيادة الانحراف بمرور الوقت.
الفحص السريري
- حدة البصر:
o العين اليمنى: 9/10
o العين اليسرى: 10/10
o لا يوجد أسواء انكسار هامة سريرياً. - محاذاة العينين:
o العين اليمنى: انحراف علوي (Hypertropia) ملحوظ عند التركيز على الأشياء القريبة.
o وضعية الرأس: ميلان تجاه الكتف الأيمن (انحراف العين اليمنى للأعلى وتثبيت جيد في العين اليسرى على الهدف، وعند الطلب من المريض التركيز في العين اليمنى تنحرف العين اليسرى للأسفل)، كتعويض بصري للتقليل من الرؤية المزدوجة والتخفيف من الأعراض المزعجة
- فحص عضلات العين:
o فرط نشاط في العضلة المنحرفة السفلية اليمنى، بينما كانت باقي العضلات سليمة في كلتا العينين. - فحوصات إضافية:
o فحص قعر العين والعصب البصري: لم تُلاحظ أي شذوذات، مما يشير إلى سلامة البنية الخلفية للعين.
o لا توجد أي علامات عصبية. - فحوصات التغطية:
o أظهرت حول عمودي، علوي أيمن و سفلي أيسر.
الإجراءات العلاجية
التدخل الجراحي
تم إجراء جراحة تصحيحية للعين اليمنى شملت قطع العضلة المنحرفة السفلية لتقليل النشاط الزائد والانحراف العمودي. كان الهدف من هذه العملية هو استعادة التنسيق العضلي الطبيعي بين العينين وتحقيق محاذاة صحيحة تساعد في تقليل الأعراض المرتبطة بالحول مثل الرؤية المزدوجة وعدم الراحة البصرية.
تضمنت الجراحة أيضاً تقليل طول العضلة لتخفيف قوتها، مما يساعد في تعديل الزاوية التي تتخذها العين أثناء النظر إلى الأهداف المختلفة. هذا التعديل يؤدي إلى تحسين استجابة العين للحركة وتقليل الانحراف بشكل مستمر، مما يعزز من دقة المحاذاة أثناء النظر في جميع الاتجاهات. تم تنفيذ الجراحة تحت التخدير العام، وتم اتخاذ إجراءات وقائية لضمان سلامة العين والحفاظ على تدفق الدم الطبيعي للعضلات والأعصاب.
العلاج التكميلي
– جلسات تمارين بصرية:
شملت التمارين تحفيز العضلة المتأثرة بهدف استعادة التنسيق وتحسين التحكم الحركي للعين. هذه التمارين ضرورية لتعزيز قدرة الدماغ على التنسيق بين العينين وتعزيز الرؤية الثنائية.
– التغطية المتناوبة للعينين:
تم استخدام تقنية التغطية المتناوبة لتعزيز فعالية العضلة الأضعف وتحسين الانسجام البصري. هذه التقنية تساعد في تعزيز التثبيت البصري وتحسين الاستجابة العصبية بين العينين
نتائج المتابعة
المتابعة بعد شهرين:
o استقامة العينين: تم تحقيق استقامة متوازية للعينين، مما أدى إلى تحسين التنسيق الحركي وتقليل الأعراض. تم تقييم التحسن باستخدام اختبار التغطية – إزالة التغطية، والذي أكد الاستقامة الجيدة لكلتا العينين.
o وضعية الرأس: زوال ميل الرأس التعويضي، مما يدل على تحسن ملحوظ في قدرة العينين على العمل بشكل متوازن. تم توثيق هذا التحسن من خلال تصوير الوضعية باستخدام تقييم فيديو للحركات العينية.
o القدرة البصرية: تحسن واضح في القدرة البصرية والتنسيق البصري بين العينين، مما انعكس إيجابياً على الأنشطة اليومية للطفل، مثل القراءة والتركيز على الأهداف القريبة. تم قياس هذا التحسن باستخدام مخطط سنيلين.
o جودة الحياة: أبلغ المريض عن تحسن في نوعية حياته اليومية، حيث قلت الأعراض المتعلقة بالإجهاد البصري والرؤية المزدوجة.
مناقشة الحالة
الحول، الذي يشار إليه عادة باسم “العينين المتقاطعتين”، هو اضطراب بصري يتميز بعدم التنسيق في محاذاة العينين، مما يؤدي إلى تركيزهما على نقاط مختلفة في الفضاء البصري. يمكن أن يؤدي هذا الاختلال في المحاذاة إلى مضاعفات بصرية مختلفة، بما في ذلك الرؤية المزدوجة والكسل البصري – الغطش – (العين الكسولة)، وخاصة إذا تُرك دون علاج.(2)
تصنيف الحول
حسب اتجاه الانحراف:
- أنسي (Esotropia): انحراف العين نحو الداخل (الانسي) ويظهر عادة عند محاولة التركيز على الأهداف القريبة.
- وحشي (Exotropia): انحراف العين نحو الخارج (الوحشي)، ويظهر عند النظر إلى الأهداف البعيدة أو عند الإجهاد.
- عمودي: انحراف العين إما إلى الأعلى (Hypertropia) أو إلى الأسفل (Hypotropia).
حسب المدة الزمنية:
- حول متقطع: يظهر ويختفي في ظروف معينة، مثل التعب أو الإجهاد البصري.
- حول دائم: يكون ثابتاً طوال الوقت، ويحتاج غالباً إلى تدخل جراحي.
حسب السبب:
- خلقي: يظهر في مراحل الطفولة المبكرة نتيجة عوامل وراثية أو عيوب خلقية.
- مكتسب: يحدث لاحقاً بسبب عوامل انكسارية، أمراض عصبية، رضوض، أو أمراض عضلية مثل الوهن العضلي.
آلية التشخيص
القصة المرضية:
- مدة الحول، وجود رؤية مزدوجة، تاريخ العائلة، واستخدام النظارات.
تقييم حدة الإبصار:
- باستخدام مخطط سنيلين أو أدوات مماثلة.
- فحص أسواء الانكسار مع شل المطابقة بتقطير سيكلوبنتولات 1% مرتين بفاصل 5 دقائق ثم فحص أسواء الانكسار بعد نصف ساعة.
- التحري عن وجود الغطش.
قياس زاوية الحول:
اختبار التغطية – إزالة التغطية (cover – uncover): يستخدم لتقييم وجود انحراف واضح عند التركيز على هدف معين، ويساعد في تحديد نوع الحول (أنسي، وحشي، أو عمودي).
يتم إجراؤه بتغطية إحدى عيني المريض والطلب من المريض أن ينظر بالعين المكشوفة إلى هدف معين، يتم في هذا الاختبار فحص العين المكشوفة. عند وضع وازالة الغطاء نلاحظ في حالات الحول الظاهر تحرك العين المكشوفة من وضعية الحول الى الوضعية الصحيحة على الهدف فمثلا إذا كانت الحركة من الجهة الأنسية وعند تغطية العين الاخرى اتجهت الى الهدف يكون الحول أنسياً وإذا كانت في الجهة الوحشية وعند تغطية العين الاخرى اتجهت الى الهدف يكون الحول وحشياً.
o التغطية المتبادلة (Alternate cover): يُستخدم للكشف عن الانحراف الكامن وتحديد مدى ثبات العينين، ويعد أداة مهمة لتقييم الحول الكلي.
يتم إجراؤه بتغطية إحدى عيني المريض ويطلب من المريض أن ينظر بالعين المكشوفة إلى هدف معين، ثم تكشف العين المغطاة ويُنقل الغطاء إلى العين الأخرى بسرعة بدون كشف العينين معاً، فإذا لم يحصل حركة أو عودة تثبيت في العين المكشوفة فهذا يدل على وجود استقامة بالعينين وبالتالي لا يوجد حول، أما إذا حصل عودة تثبيت للعين المكشوفة فهذا يدل على وجود حول. فإذا تحركت العين المكشوفة (عند رفع الغطاء عن العين) من الوحشي إلى الإنسي فهذا يدل على وجود حول وحشي، وإذا تحركت العين المكشوفة من الإنسي إلى الوحشي فهذا يدل على وجود حول إنسي، أو قد يكون هناك حول عمودي عند تحرك العين عمودياً. هذا الاختبار يكشف الانحراف الكلي (شطور + حول).
اختبارات المنعكس الضوئي:
- اختبار هيرشبرغ (Hirschberg Test): يسلط الضوء على العينين ويطلب من المريض أن يثبت نظره على الضوء، ويحدد التمركز بالنسبة للحدقة. ويكون المنعكس الضوئي في مركز الحدقة للعين المثبتة، ويكون غير مركزي في العين التي فيها حَوَل. وبذلك يتم استخدامه لتحديد الزاوية التقريبية للانحراف.
- اختبار كريمسكي (Krimsky Test): يُجرى باستخدام المواشير لقياس الانحراف بشكل دقيق، مما يساعد في تحديد الزاوية وتصميم العلاج المناسب. يعتمد على ملاحظة انعكاس الضوء على القرنية، ويتم تصحيح الانحراف باستخدام عدسات موشورية حتى يصبح انعكاس الضوء متماثلاً في كلا العينين.
تقييم حركة العين:
يتم تقييم حركات العين لفحص كفاءة عضلات العين الخارجية في تسع اتجاهات رئيسية. يساعد هذا التقييم في تحديد العضلات المصابة وتقييم سلامة الأعصاب المسؤولة عنها. حيت يتم الطلب من المريض متابعة هدف (مثل إصبع الطبيب) دون تحريك الرأس. ويتم ملاحظة حركة العينين من حيث السلاسة والتناسق، أو وجود قيود أو ضعف، أو وجود أي ازدواجية في الرؤية.
الخيارات العلاجية
العلاج غير الجراحي:
- استخدام العدسات التصحيحية: تحسين الرؤية وتقليل الانحراف عن طريق تصحيح العيوب الانكسارية.
- تمارين تقوية العضلات العينية (Orthoptic exercises): تهدف إلى تحسين التنسيق بين العينين وزيادة قوة العضلات الضعيفة.
- علاج الغطش (Amblyopia): يتم عبر تغطية العين السليمة لتحفيز العين المصابة على العمل بجهد أكبر.
العلاج الجراحي:
- تعديل طول أو موضع العضلات: يتضمن تعديل طول العضلات المتأثرة أو تغيير موضعها على سطح العين لتحسين محاذاة العينين وتحقيق التنسيق المثالي.
الدعم العصبي والنفسي:
- الدعم النفسي: ضروري، خاصة في الحالات ذات الخلفية العصبية لتقليل التأثيرات النفسية وتعزيز الثقة بالنفس لدى المريض. كما يُوصى بإشراك أفراد العائلة في عملية العلاج لضمان دعم مستمر.
التأهيل البصري
التأهيل البصري يشمل مجموعة من التدابير العلاجية المخصصة لتعزيز وظائف العينين بعد الجراحة، بما في ذلك برامج التمارين البصرية المستمرة، والتي تهدف إلى تعزيز التحفيز العصبي وتحسين الرؤية الثنائية. يُعتبر هذا الجانب من العلاج ضرورياً لتحقيق تعافي شامل ومتكامل.
الخلاصة
يُعتبر الحول العمودي حالة نادرة ومعقدة تتطلب تدخلاً متعدد الجوانب يشمل التشخيص المبكر والتدخل الجراحي المكمل ببرامج التأهيل البصري. إن الجمع بين التشخيص المبكر والإجراءات العلاجية الجراحية وغير الجراحية يساهم في تحسين المخرجات البصرية والوظيفية للمريض، كما أن الدعم النفسي والاجتماعي يعد جزءاً أساسياً من خطة العلاج الشاملة لضمان تحقيق التعافي الكامل وتجنب الانتكاسات. يُوصى بالمتابعة المستمرة لضمان استقرار النتائج وتقديم الدعم المناسب للمريض وأسرته.
تظهر هذه الحالة أهمية التعاون بين مختلف التخصصات الطبية لضمان تقديم رعاية شاملة ومتكاملة، مما يساعد في تحسين جودة الحياة والتخفيف من التأثيرات السلبية المحتملة للحول على حياة المريض.
توضيح:
تم علاج هذه الحالة في مشفى باب الهوى المدعوم من قبل الجمعية الطبية السورية الأمريكية سامز في حزيران 2024، من قبل الطبيبة المقيمة في اختصاص أمراض العين وجراحتها، د. دعاء عويد، تحت إشراف الطبيب المشرف د. أحمد السيد علي.
المراجع:
- Bowling B. Kanski’s Clinical Ophthalmology a Systemic Approach. Vol. 897, Elsevier. 2016.
- السعود آ. أسس علم الحوَل | مستقل [Internet]. 2022. Available from: https://mostaql.com/portfolio/1104995-%D8%A3%D8%B3%D8%B3-%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D9%84